تونس بين مطرقة التغيرات المناخية وسندان التدهور الاقتصادي والزراعي
بعد استيرادها نحو 95% من احتياجاتها من الحبوب
تونس تستعد لاستيراد أكثر من 95% من احتياجاتها من الحبوب بسبب الجفاف والمناخ
في تطور يثير القلق، صرح مسؤولون في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بأن تونس ستضطر إلى استيراد أكثر من 95% من احتياجاتها من الحبوب خلال العام الحالي، نتيجة لتأثر البلاد بالجفاف والتغيرات المناخية التي أثرت سلبًا على الإنتاج المحلي.
ووفقًا للمسؤولين، يعاني قطاع الزراعة في تونس من تحديات كبيرة بسبب سوء الأحوال الجوية ونقص الأمطار خلال الفترة الأخيرة.
وتسبب هذا الجفاف في تراجع إنتاج الحبوب المحلية بشكل كبير، ما يضع البلاد في موقف صعب، حيث يجب عليها الاعتماد بشكل كبير على استيراد الحبوب لتلبية احتياجاتها الغذائية.
ويرى خبراء أن الاعتماد المتزايد على الاستيراد سيفرض تحديات اقتصادية ومالية على البلاد، وستضطر تونس إلى إنفاق مبالغ كبيرة لاستيراد الحبوب، ما يؤثر على ميزانيتها ويعتبر عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الوطني المتضرر بالفعل من العديد من التحديات الأخرى.
وفي محاولة للتصدي لهذه التحديات، أعرب المسؤولون عن ضرورة تعزيز الاستثمار في قطاع الزراعة وتطوير التقنيات الزراعية المستدامة، بما في ذلك الري الذكي والزراعة المحمية، لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد في المستقبل.
وأوصى خبراء أن على تونس وغيرها من البلدان التي تعاني من التحديات المناخية والجفاف، أن تتخذ إجراءات عاجلة للتكيف مع هذه التغيرات البيئية وتعزيز قدرتها على تلبية احتياجات الغذاء الخاصة بها، وشددوا على أهمية التعاون الدولي والتنسيق لمواجهة هذه التحديات العالمية.
ويجب على الحكومة التونسية اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز الاستدامة الزراعية وتحسين إنتاجية الحبوب المحلية للحد من الاعتماد على الاستيراد ومواجهة التحديات الاقتصادية المتعلقة بالتكاليف المالية للاستيراد.
ويجب أن يكون هناك تعاون دولي وتنسيق لمواجهة هذه التحديات العالمية.
ووفقًا لتقرير البنك الدولي، فقد تباطأ النمو الاقتصادي في تونس خلال عام 2022 بسبب العوائق التنظيمية التي تعرقل النمو وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميًا، وارتفع العجز الحالي والمالي للبلاد نتيجة ذلك، ومع نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي لم يتجاوز 2.5 بالمئة، أصبح من الضروري إجراء إصلاحات عاجلة لتحسين بيئة الأعمال وتعزيز المنافسة.
وكان نمو الناتج المحلي الإجمالي في تونس خلال عام 2023 نحو 2.3 بالمئة، كما وصل معدل التضخم في تونس إلى 10.4% في فبراير 2023، وهو الأعلى في أكثر من ثلاثة عقود، نظرًا لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وهذه العوامل تشكل ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد، ما يجعل من الضروري تنفيذ إصلاحات تعزز النمو المستدام.
"جسور بوست"، ناقشت الأزمة وتأثيراتها على حقوق المواطن التونسي من نواحٍ عدة وما الذي يجب تقديمه من قِبل المجتمع الدولي لتقليل أثرها.
تأثير التغيرات المناخية على حقوق الإنسان
أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقاريرها أن تغير المناخ حقيقي وأن سببه الرئيسي هو انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الإنسان.
وتعد الوتيرة المتزايدة للظواهر المناخية القصوى، والكوارث الطبيعية، وارتفاع مستويات سطح البحر، والفيضانات، وموجات الحر، والجفاف، والتصحر، ونقص المياه، وانتشار الأمراض الاستوائية والأمراض المنقولة بالنواقل، بعضاً من الآثار الضارة لتغير المناخ.
وهذه الظواهر تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على التمتع الكامل والفعلي للأشخاص في مختلف أنحاء العالم بمجموعة متنوعة من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، والحق في الحصول على المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي، والحق في الغذاء، والحق في الصحة، والحق في السكن، والحق في تقرير المصير، والحق في الثقافة، والحق في العمل، والحق في التنمية، كما أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وقرار مجلس حقوق الإنسان رقم 41/21.
ويتكبد بشكل غير متناسب الآثار السلبية لتغير المناخ أشخاص ومجتمعات محلية يعيشون أصلاً في أوضاع سيئة بسبب عوامل منها الموقع الجغرافي أو الفقر أو نوع الجنس أو السن أو الإعاقة أو الخلفية الإثنية أو الثقافية، ولم يسهموا على مر التاريخ إلا بأقل قدر في انبعاثات غازات الدفيئة.
وتحديداً، يواجه الأشخاص والمجتمعات المحلية، وحتى دول برمتها، في الأراضي الساحلية المنخفضة والتندرا والجليد القطبي الشمالي والأراضي القاحلة وغيرها من النظم الإيكولوجية الهشة والأقاليم المعرضة للخطر، والذين يعتمدون على هذه الأراضي من أجل السكن والمعيشة، مخاطر كبيرة جراء تغير المناخ.
تأثير التغيرات المناخية على تونس
قالت الكاتبة التونسية ريم بن خليفة، إن تونس تعاني من تأثيرات التغيرات المناخية على عدة مستويات، بدءًا من البيئة الطبيعية وصولاً إلى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
وتعاني تونس من ندرة المياه ونقص الأمطار في مناطق مختلفة من البلاد، وتؤدي زيادة درجات الحرارة إلى تسارع تبخر المياه وتؤثر على تدفق الأنهار والمياه الجوفية، ما يؤثر على إمدادات المياه العذبة المتاحة للشرب والزراعة والاستخدامات الأخرى، أيضًا لدينا التصحر والجفاف من التحديات الرئيسية في تونس، حيث ترتفع درجات الحرارة وتنخفض كميات الأمطار، ما يتسبب في تدهور الأراضي الزراعية وانتشار الصحاري.
وتابعت الكاتبة التونسية في تصريحات لـ"جسور بوست"، يتأثر القطاع الزراعي بشكل كبير، حيث يتضرر إنتاج المحاصيل وتتراجع إنتاجية الماشية، ما يؤثر على سبل العيش والأمن الغذائي للأفراد، كذلك فإن ارتفاع درجات الحرارة وتغير نمط الأمطار تعتبر بيئة مثالية لتكاثر الحشرات الضارة وانتشار الأمراض المرتبطة بالمناخ، فتزداد حالات الأمراض المنقولة عن طريق البعوض والقراد، ما يشكل تهديدًا على الصحة العامة والرعاية الصحية في تونس.
وعن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية قالت “ريم”، إن تغير المناخ يؤثر على الاقتصاد التونسي والمجتمع بشكل عام، فتتأثر القطاعات الزراعية والسياحية والصناعية بشكل كبير، ما يؤدي إلى فقدان فرص العمل وتدهور الظروف المعيشية للسكان، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الهجرة والتوترات الاجتماعية، ومن أجل مواجهة هذه التحديات، تعمل تونس على تنفيذ سياسات وإجراءات للتكيف مع التغير المناخي، بما في ذلك تعزيز الاستدامة الزراعية، تعزيز الطاقة المتجددة، والتوعية والتثقيف.
الكاتبة التونسية ريم بن خليفة
دور المجتمع الدولي
وقال رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، أيمن عُقيل، إن المجتمع الدولي يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في دعم تونس في تحقيق أمن الغذاء، فيمكنه تقديم المساعدة الإنسانية العاجلة، مثل توفير الحبوب والمواد الغذائية الأساسية، لتلبية احتياجات السكان الضرورية في الفترة الحالية، كذلك تقديم التمويل والاستثمار في قطاع الزراعة التونسي، وذلك لتعزيز الإنتاجية وتحسين البنية التحتية الزراعية، بما في ذلك تطوير نظم الري الحديثة وتحسين إدارة الموارد المائية، أيضًا تقديم الدعم التكنولوجي والابتكار في مجال الزراعة، مثل تطوير سلالات نباتية مقاومة للجفاف وتحسين تقنيات الزراعة المستدامة، يمكن أيضًا توفير التدريب ونقل المعرفة للفلاحين حول استخدام التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج الزراعي.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يجب التعاون والتبادل المعرفي مع تونس والدول الأخرى، من خلال تبادل الخبرات والممارسات الناجحة في مجالات تحقيق أمن الغذاء والزراعة المستدامة، ويمكن تبني نماذج ناجحة من دول أخرى تواجه تحديات مماثلة وتطبيقها في السياق التونسي، كذلك ينبغي تطوير السياسات والإطار القانوني لتعزيز الزراعة وضمان أمن الغذاء في تونس.
أيمن عُقيل
وتابع، يمكن تبادل الخبرات في مجال تنظيم السوق وتشجيع الاستثمارات الزراعية المستدامة، ويجب معرفة أن تعزيز أمن الغذاء في تونس يتطلب جهودا متكاملة وشاملة من المجتمع الدولي، بما في ذلك المنظمات الدولية، والحكومات، والشركاء التنمويون والمنظمات غير الحكومية، ويجب أن يتم تنسيق هذه الجهود وتوجيهها وفقًا لاحتياجات وأولويات تونس، وضمان استدامة الإجراءات المتخذة على المدى الطويل.